"فتحي يكن" داعية الوحدة الذي لم يتمرد على التنظيم

بداية اعتذر عن الذاتية في هذه الكلمة , بأنها حال المحب الذي يبدو مسرفا في وصف حاله مع المحبوب لكن الوصف يعكس أبدا صورة الحال فهم سواء فيها الحب والمحب والحبيب . عرفت الراحل الكبير من خلال بعض كتبه التي شدتني عناوينها منتصف السبعينات وكنت أقارب العشرين من عمري , فقرأتها واستفدت منها بدون وعي للإختلاف المذهبي الذي كانت بعيدة عنه من جهة , ومن جهة أخرى لم تكن تربيتنا لا المنزلية ولا الإجتماعية تعنى في الشأن المذهبي بأكثر من كونه اختلافا كالإختلاف الذي كنت أشهده بين جدي لأبي وصهره القومي السوري رحمهما الله والذي كان ينتهي بالصلاة جماعة في المسجد القريب . قرأت “فتحي يكن” كما كان يحب تصدير اسمه بالخط الفارسي الجميل على أغلفة كتبه وأسعفتني هذه القراءة بتأسيس ثقافتي الإسلامية , لكنني ترددت في التقرب من الجماعة الإسلامية لإحساسي بارتباك ما في أدائها الوطني والقومي لما كان سائدا من تهم تتلقاها من فصائل وأحزاب معنية بفلسطين , وكانت فلسطين الهم الوحيد والمقاومة عنوان العنفوان . حتى إذ وقعت على كتاب الإخوان المسلمون في حرب فلسطين للاستاذ كامل اسماعيل الشريف بطبعته الثانية 1951 , وكانت الأولى قد صدرت 1950 وهو يؤرخ لحرب فلسطين 1948 – 1949 , اي أنه قد كتب عن معاينة وبدون مبالغات ازددت حيرة , ما هي هذه الجماعة التي تملك تاريخا كهذا ولاأرى لها أثرا في المقاومة ولا في حارة حريك حيث أعيش ولا في برج البراجنة ومخيمها حيث الجد الذي يعرف أكثر من في المخيم من أهل ترشيحا و….؟؟؟ وفي معترك العمل الإسلامي المشترك قبل انتصار الثورة الاسلامية الايرانية تعرفت على حركة الإخوان المسلمين بصورة أعمق كما حزب التحرير وعرفت التداخل الواسع بينهما مع أهم التنظيمات الإسلامية الشيعية في العراق وإيران : حزب الدعوة والشباب المسلم وفدائيان إسلام . وصرنا نتحدث عن الشهيد سيد قطب كما نتحدث عن الشهيد نواب صفوي , وقرأنا “التشريع الجنائي في الإسلام” للشهيد عبد القادر عودة مع تعليقة آية الله السيد اسماعيل الصدر . قرأت مجلة الشهاب صدفة فتابعتها,وتلقيت أعدادا قديمة من مجلة المسلمون فقرأتها . وتعرفت بواسطة المجاهد العراقي محمد صادق فهمي على أركان الجماعة ومركزها في بيروت واشتركنا في التظاهرات والنشاطات .فكنت كلماازدادت معرفتي بالجماعة وصورتها تنعكس دائما صورة اسم “فتحي يكن ” الذي لم ألتقه مباشرة إلا عند زيارة وفد من تجمع العلماء المسلمين مدينة طرابلس لتفقد قياداتها الاسلامية بعد توقف الغزوة الظالمة والمدمرة لها خريف 1985 . وفيما سمعت من البعض همسا عمن يتحمل المسؤولية لم نسمع منه إلا تماسكا وتمسكا بوحدة الموقف الإسلامي في المدينة بين جميع القوى الإسلامية . كان رحمه الله يدرك عمق أسباب الهجمة ويرى أن كل ما يقال عن أسباب وتوجيه تهم إنما هو من باب التبرير ولذلك كان يرفض الانجرار إلى مهاترات داخلية تضعف الصف الاسلامي المعبر عن تطلعات المدينة في الأفق اللبناني المتشنج . التقيته بعد ذلك مرارا في ندوات ومؤتمرات وزيارات , التقيته في أوقات متباعدة وكان فيها في مواقع مختلفة . لكنني وجدته دائما مسكونا بهمين فلسطين والوحدة الاسلامية ومحاطا بهاجس واحد : وحدة الجماعة الاسلامية وارتباطها بالتنظيم العالمي . لم يترك التنظيم حين اختلف معه أكثر من مرة , بل فتَّش عن مكان يؤدي فيه وظيفته الشرعية دون إساءة لتاريخه هو : تاريخ الجماعة الإسلامية , فكانت جبهة العمل الإسلامي موقعا عمليا ولم يرض أن يحولها إلى تنظيم حزبي فيقال إنه فتش عن مركز . وعندما التقيناه العام الماضي في آخر زيارة مع وفد تجمع العلماء المسلمين حدَّثنا بحماس عن سعيه لإيجاد إطار عمل عالمي يتسع للكثيرمن الحركات الاسلامية على أسس مشتركة . وهكذا كان كلما ضاقت السبل لم يدخل فيها بل فَّتش عن متفسح يمنع التزاحم ويرحب بالتدافع . ولمَّا ضاقت صدور بعض الطائفيين ببعضها صلّىَ الجمعة في أكبر جماعة شهدتها العاصمة بيروت , ووقف متجها إلى القبلة الواحدة بالمسلمين سنة وشيعة , ويتفق أنَّ قبلتنا إلى الجنوب , وبين الجنوب والكعبة المشرفة تقع فلسطين . رحم الله ” فتحي يكن ” … رحم الله داعية الوحدة .
هذا المنشور نشر في ندوات ومحاضرات. حفظ الرابط الثابت.

أضف تعليق